السبت، 26 فبراير 2011

إرادة الشعب هي السلطة الحقيقية ( تونس )

 محمد إسماعيل الصيفى

0108230096

 



إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ ** فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَرأبي القاسم الشابيّ ، شاعر من تونس






قبل أن يقرر علماء الاجتماع وعلماء السياسة أن أرادة الشعوب هي السلطة الحقيقية في أي دولة . قررتْ شهادةُ التاريخ ذلك و أكدته . فعَبْر التاريخ الإنساني الطويل نجد أن الشعوب هي من تحسم الأمور و تعيد صياغة مسار القضايا والأحداث .

أن ثورة الشعب التونسي على زين العابدين بن علي أبهرتْ الناس لأسباب كثيرة ـ رغم أننا نعلم مدى القهر والوضع الاقتصادي المتأزم في تونس ـ كنا نتوقع أن تندلع الثورة في مصر أو العراق أو سوريا أو السودان وليس في تونس .

لماذا هذه الدول تحديدا ، فكل أقطار الوطن العربي تُعاني ؟

أجل كلها تُعاني لكن تختلف معاناتها وتتباين لكن هذه تحديدا أوضاعها ليست سيئة بل مزرية جدا ، لكن أركان الثورة تتوفر في هذه الدول بقوة ، لكن علماء الاجتماع يؤكدون في دراساتهم الكثيرة أن توفر أسباب الثورة لدى شعب ما ليس بالضرورة مدعاة لاندلاع الثورة ، ولهم على ذلك شواهد تاريخية كثيرة . و شخصيا كنت أتوقع أن يثور الشعب المصري وكنت أقول أنها مسألة وقت فقط ، وهي مسألة توفر الشرارة .

أن ثورات الشعوب ـ أعني الثورات العفوية ـ لا تكون أبدا ما لم تكون هناك أوضاع تستدعي خروج الشعب ضد حاكميه ، أن درجة الغليان الذي يحقق الانفجار الذي لا درء له إلا العدل والتنمية الحقيقية العادلة . والحال كما قال الشاعر :

ما كانت الحسناء تكشف سترها ** لو كان بين الحاضرين رجالُ
الثورة جيدة ، وثورات الشعوب ـ كما أسلفنا ـ دائما هي من يحسم الكثير من القضايا العالقة أكثر مما قد تحسمها الحروب حتى .

لكن الثورة الشعبية عندما تكون عفوية ـ كما هو الحال في تونس ـ قد تتحول إلى كارثة ما لم يُقيض لها الله قائد مُخلصاً يَهُّبُ لتوجيه مسارها لنحو تحقيق معه طموحات الشعب ، فالمغرضين كثيرين وأصحاب المصالح أكثر ، أولئك الذين يبيعون أوطانهم من أجل الدرهم والدرهمين .

أن أرادة الشعوب أن اصطدمت بمصالح شخصية لأفراد أو مصالح حزبية كانت وبالا ودمارا على تلك الشعوب ، أن الأحزاب لا تقدم الكثير من الخير لإرادة الشعوب لأنها مجرد وجه أخر لأطماع فردية تسلطية ، هذا ما يثبته الواقع والتاريخ السياسي ، حتى وأن حاول البعض إنكار هذه الحقيقية .

أن الوعي السياسي لأي أمة والوعي الحقوقي وخاصة حقوق المواطنة لأفراد الشعب تجعله يسير نحو الازدهار بخطى ثابتة ، خطى راسخة لا تنهار مع تقادُم العهد عليها ، بل تجعل من بُنْيَانها أكثر جمالا ورونقاً و رسوخاً .

وأن أكثر ما يَستغلهُ المتسلقون الطامعون هو ضعف أو غياب الوعي السياسي والوعي الحقوقي للشعب ، وتوجيه فكر الشعب نحو اتجاهات يرغب بها أولئك المُنَصبين أنفسهم زعماء و ناطقين بلسان الشعوب .

هم أشرُّ من حاكم دكتاتوري أو متسلط ، لأن هذا الحاكم تكون أفعاله واضحة و الحكم عليها سهل ، بينما هؤلاء يكونون شر مكان في الأرض ، يعبثون بمقدرات الشعوب لأجل أهدافهم ، وينطقون بالحق لكنهم يريدون به باطلا . يعبثون في الخفاء ويصطادون في الماء العكر ويشتتون فكر الشعب و بالتالي يُخدرون أرادته ، يصنعون من أنفسهم أبطالا ليُمجَدُوا وليُحْمَدُوا بما لم يَفْعَلُوا .

أن المتحزبين لا فرق بينهم وبين القبليين ، بل أن الأخيرة أفضل من بعض الوجوه فهم يُرَاعون بعض معاني الشهامة والمروءة ـ على الأقل ـ في حق أهلهم ، أما المتحزبين فهم أوثان أنفسهم ، يَعْبُدُونها ويُخضِعُون الناس لعبادتها من حيث يدرون ولا يدرون ، ولا تجد إلا أنهم مجرد وجه أخر من الدكتاتورية و لكن بلباس الحرية و الديمقراطية ليُخدروا أرادة الشعب .

أن نَتَج عن الثورة الشعبية التونسية سَن قوانين فاعله و عادلة تُنظم السلطة والحياة ، ونَتَج عنها بناء أُسُس دولة تمنح الشعب التونسي العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، لتقودهم نحو العدالة والتنمية الحقيقية التي يكون أساسها الإنسان وليس مصالح أفراد وأهواء أمم أخرى يتحمل عبئها الشعب التونسي .
حينئذ يمكن لأهل تونس أن يكونوا قريري العين لأن ثورتهم حينها ستكون ناجحة و أن من ماتوا في سبيل هذه الثورة ستهدأ أرواحهم لأن دمائهم لم تذهب هباءاً كم ذهبت قبلهم دماء أجدادهم الثُّوار ، الذين ثاروا ضد المستعمر الفرنسي الظالم والذي أعقبهُ حكم سلطان أشد ظلماً وتسلطا تدخل حتى في طريقة معاشرة الرجل لزوجته ، وما كاد ينزاح عنهم حتى أتى من هو اشد منه و أظلم ، والذي سلَّم تونس بكل ما فيها لزوجته لتهبها هي بدورها لأهلها . وهذا أمر يعلمه أهل تونس علما يقينيا .

وقد سعى هذان الاثنان ـ الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي ـ على تعطيل كل ما يخص الإسلام ، كانوا أشد على أهل تونس من كمال أتاتورك على أهل تركيا . تونس أرض الصوفية و المتصوفة باتت في عهدهما تكاد تكون خالية من الإسلام وأصبحت فرنسية أكثر من فرنسا نفسها . فلله كيف هُدرتْ دماءُ الثُّوار .
و أقول كما قال أدولف هتلر بعد هزيمة ألمانيا المُذِلة في الحرب العالمية الأولى ـ وكان رجل عاديا حينها ـ معبراً عن أساه : ( تُرى أتُفتح أبواب قبور مئات الألوف من الرجال الذين لقوا حتفهم على الجبهة لتُرسل أشباحاً تنتقم لأرواحهم ؟! ) .
أخيراً ..
أتمنى من كل قلبي أن يُقَيِّض الله لتونس الحبيبة قائداً مخلصاً واعياً وحكيما يجعل ثورة شعبها الطيب ثورة خير وسعادة وازدهار . كما أتمنى الشيء ذاته لمصر و لكل أمتي الحبيبة ، فأمتنا تستحق الأفضل .

وكما قال شاعر التونسي أبو القاسم الشابيّ :
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ ** فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَ لا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي ** وَ لا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ ** تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر

 محمد إسماعيل الصيفى

0108230096

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق